فإنَّ ثَمَّة شيءٌ أحبُّ التنبيه عليه، أَلَا وهو ما يَتَعَلَّق بالكتابات في المواقع الإلكترونية في الإنترنت، أُحب أن أقول لأبنائي وإخواني وأحِبَّتي في كلِّ مكان مِمَّن يسمع هذا الكلام ويَصِل إليه، أقول:
أولًا: على النَّاظر في هذه المواقع أن يَتَرَيَّث حتَّى يثبتَ عنده يقينًا أنَّ هذا الكلام لفلان، إمَّا أن يكون بخَطِّه ونَزَلَ مُصوَّرًا عن طريق اللاقط – بالسكنر كما يقولون – فيكون بخطِّ يَدِهِ، وهذا أعلى درجات التَّوثيق، أو تكون هذه المادَّة التي نزلت مُفرَّغة من شيءٍ مسموع، فتسمعه وتتيقَّن منه؛ أنَّ هذا الكلام لفلان، فتسمعه وتُقارن بينه وبين ما نُقِل مُفرَّغًا مطبوعًا، لأنَّه قد يعتري التفريغ شيءٌ من الحذف، فينبغي للإنسان إذا رَأَى شيئًا من ذلك ألَّا يَتَعَجَّل، ويطلب التَّثَبُّتَ والبراءةَ لدينه في هذا الباب، فيُقارن هذا المطبوع المُفَرَّغ بالمادة المسموعة، فيتأكَّد، فإذا تأكَّد فحينئذٍ باب آخر.
الأمر الثاني: الذي أحب أن أنَبِّه عليه، وهو في هذا الباب ما يُكتب بالكُنَى: أبو فلان، أبو فلان، فالكُنى ضَيَّعت الأسماء، ولذلك احتاج العلماء في القديم إلى أن يجعلوا كُتُبًا للكُنى؛ مَنْ كُنيته كذا، ثُمَّ يُسرد تحتها: فلان ابن فلان ابن فلان، فلان ابن فلان ابن فلان، فلان ابن فلان ابن فلان، ثُمَّ ينتقل إلى الكنية الأخرى، وهكذا، وكيف يُعرف صاحب هذه الكنية؟ بأنَّ المُراد به في هذا الموضع فلان الفلاني؛ يُعرف بالطبقة في التلاميذ والشيوخ، فأقول لإخوتي وأبنائي وأحِبَّتي مِمَّن يَصِل إليهم هذا الكلام؛ لا يُعَوِّلوا على ما يُكتب باسم فلانٍ وفلان، أبو فلان أبو فلان، حتى يَتَيَقَّنوا أنَّ هذا هو فلان ابن فلان الفلاني بعينه، لأَنَّه قد ثبت عندنا أنَّ بعض من يَتَكَنَّى إِمَّا أن يريد بهذا التَّمويه فيَتَسَتَّر حتى لا يُكشَف باسمه، فيكتب ما أرادَ أن يكتب، وإمَّا أنَّه أراد أن يُشَبِّه على غيره، فقد يكون ثَمَّة شخصٌ يُكنى بهذه الكُنية، وأراد أن يَلبس على النَّاس بأنَّ هذا الكلام لفلان وليس له، فهذا مِمَّا يوجب علينا أن نَتَرَيَّث.
وبهذه المناسبة؛ الذي أدعو إليه أبنائي وإخوتي وأحِبَّتي أن يُسمِّيَ كُلُّ واحدٍ نفسه باسمه، فإذا جاءَ يكتب فيقول: فلان ابن فلان ابن فلان، وإذا جاءَ يُرْسِل للمشايخ يقول: أنا فلان ابن فلان ابن فلان، وإن جاء يَتَّصل ما يقول أنا أبو فلان! أنا فلان ابن فلان ابن فلان، والنَّاس يُكرِمونه بالتَّكنية، ما هو يُكَنِّي نفسه، هذا الذي جاء في الآداب النبوية، فينبغي ملاحظته، واليوم كلّما يتَّصل معك أحد يقول أنا أبو فلان، من أبو فلان أنت؟َ! قل أنا فلان ابن فلان ابن فلان، أمَّا أبو فلان! هذا الكلام لا يصلح، لا بُد أن تعرَّف عينك بما يُخرجها من حَيِّز الجهالة، ومن حَيِّز اللَّبس، أبو فلان إذا كنت أنا أعرف هذا الإنسان بعينه أنَّ كنيته كذا، أمَّا أن تتصل بي من أوَّل مرَّة تقول: أنا أبو فلان؛ هذا غلط، خلاف السُّنة، السُّنة الإنسان يقول أنا فلان، كما أنّه لا يقول: “أنا أنا” إذا استأذن، كذلك لا يقول أبو فلان، قد يكون عند الإنسان عِدَّة أشخاص بهذه الكُنْيَة، فيظُنُّك هو، فيفتح فإذا بك شخص آخر، فالواجب على الإنسان أن يقول أنا فلانٌ، ويُسَمِّي نفسه، فأُنَبِّه إلى هذا أيها الإخوة والأحِبَّة، هذا كُلُّه في هذا الجانب.
جانبٌ آخر؛ أَلَا وهو إذا حصل سوءُ تفاهمٍ بين اثنين من الإخوان؛ أصبح بعضهم يَكْتُبُ في بعض، وهما كلاهما على طريقةٍ واحدة، على منهجٍ واحد، وعلى شيوخٍ موَحَّدين! هذه الطريقة غير طيِّبة، فإن كان عندك عليه ملحوظة، فهذا أخوك، أعْطِه، أمَّا أن تكشفها في النت، وترسل في النت، وتكتب في هذا النت، فهذا من نشر العيوب التي لا يجوز.
أمَّا العلم؛ فهذا بابه بابٌ آخر، وأمَّا الرَّد على الأخطاء التي ينحرف فيها أصحابها فهذا بابٌ آخر، وحتى الأخطاء، منها ما هو خاص ومنها ما هو عام، فما كان خاصًّا فلا ينبغي نشره على سبيل العموم، وأمَّا ما شاعَ وذاع وانتشر بين النَّاس، فالرد يكون عليه بإشاعته وإذاعته ونشر الصواب بين النَّاس، حتى يعلمه النَّاس فيصَحِّحوا الخطأ، لكن أنا الذي عَنَيْتهُ بهذا الكلام؛ إن كان بينك وبين أخيك شيءٌ فلا تعجل على طول تنشره في هذه المواقع! فإنَّ هذا خلاف النصيحة، وهذا خلاف الأدب الذي ينبغي بينك وبين أخيك، فأنتَ بهذه الطريقة تفتح الباب على مِصْرَاعَيْه لتطوّر الشرور بينك وبين إخوتك، فَيَا معشر الأحِبَّة والإخوة والأبناء؛ أرجو أن تَفَهّموا ذلك وأن تنقلوه إلى من خلفكم من إخوانكم، وهذا مسموع، إن شاء الله تعالى يَصِل إلى الجميع، هذا الباب بابٌ يُفسد فيه كثير من العلاقات بين الإخوان، وكُلُّها أمور شخصية، نسأل الله العافية والسلامة.
اللقاء الثالث عشر من لقاءات طلبة العلم مع فضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي – يوم الأحد 6 جمادى الآخرة 1435هـ
نقله : أبو تيمية عبد الله – منتدى سحاب.